كتاب عربي 21

إيران وأذربيجان وعدو غير مسمى

1300x600
تشهد العلاقات بين الدولتين الجارتين، أذربيجان وإيران، توترا في الأيام الأخيرة، إثر تصعيد الأخيرة وحشد قواتها على الحدود للقيام بمناورات عسكرية مثيرة يرى معظم المراقبين أنها تحمل رسائل سياسية لأذربيجان وحلفائها، كما يواصل الإعلام الإيراني هجومه على الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وينشر رسوما كاريكاتيرية تسيء إليه.

هناك آراء مختلفة حول أسباب التصعيد الإيراني الأخير، وفحوى الرسائل التي تبعثها طهران من خلال المناورات العسكرية على الحدود الأذربيجانية، والجهات المعنية بتلك الرسائل. ولعل أهم تلك الأسباب شعور إيران بأنها محاصرة من قبل تركيا وباكستان وأذربيجان، وقد تنضم دول أخرى إلى هذه الثلاث في المرحلة القادمة.

العلاقات بين إيران وأرمينيا أفضل بكثير من العلاقات الإيرانية الأذربيجانية. ووقفت طهران إلى جانب الأرمن ضد أذربيجان في حرب تحرير قارباغ الأخيرة، ودعمت القوات الأرمينية بالأسلحة والذخائر. وما زالت الشاحنات الإيرانية تحمل مختلف المساعدات إلى ما تبقى من أراضي الإقليم تحت الاحتلال الأرمني. وكانت إيران على رأس الخاسرين بانتصار الجيش الأذربيجاني بدعم تركيا في الحرب، ويبدو أنها تشعر حتى الآن بمرارة تلك الهزيمة التي منيت بها مع انهزام الأرمن، وتجد صعوبة بالغة في تقبل التوازنات التي غيرتها نتائج الحرب.
كانت إيران على رأس الخاسرين بانتصار الجيش الأذربيجاني بدعم تركيا في الحرب، ويبدو أنها تشعر حتى الآن بمرارة تلك الهزيمة التي منيت بها مع انهزام الأرمن، وتجد صعوبة بالغة في تقبل التوازنات التي غيرتها نتائج الحرب

تركيا وأرمينيا تبديان بين الحين والآخر رغبة في تطبيع علاقاتهما، وكانت تركيا تشترط لتطبيع علاقاتها مع أرمينيا أن تنسحب الأخيرة من الأراضي الأذربيجانية التي تحتلها، وبعد تحرير معظم أجزاء إقليم قراباغ من الاحتلال الأرمني، تجددت المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات التركية الأرمينية. وهناك أنباء عن فتح أرمينيا مجالها الجوي أمام الطائرات الأذربيجانية، ومن المؤكد أن تطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا سيسهل تطبيع علاقات الأخيرة مع تركيا، كما سيؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني أكثر في تلك المنطقة.

المرشد الإيراني علي خامنئي، قال إن "قوات بلاده المسلحة بكل صنوفها تمثل جدار صد وحصنا قويا ضد التهديدات الداخلية والخارجية"، مضيفا أن "أولئك الذين يتوهمون أن الاعتماد على الآخرين سيوفر لهم الأمن، سيتلقون صفعة قريبا".

وجاءت هذه التصريحات في ظل تصاعد التوتر بين طهران وباكو. ومن المؤكد أن "أولئك" الواردة في تصريحات خامنئي تشير إلى القيادة الأذربيجانية، وأما العدو الذي لم يسمه المرشد الإيراني مكتفيا بالإشارة إليه بكلمة "الآخرين" فهو تركيا؛ لأن قادة إيران لا يشيرون غالبا إلى تركيا باسمها مباشرة في تصريحاتهم التي يعبرون فيها عن انزعاجهم من التواجد التركي في العراق وسوريا وغيرهما، ولو كان المقصود في تصريحات خامنئي إسرائيل أو الولايات المتحدة لذكرها المرشد الإيراني باسمها.

علاقات أذربيجان مع إسرائيل قديمة، وبالتالي، ليست هي ما أزعج إيران وجعلها تشعر بأنها محاصرة، وأن دورها في منطقتي بحر القزوين والقوقاز يتراجع. بل ما يقلق طهران، والجديد في المعادلة، هو تعزيز باكو تعاونها مع أنقرة وإسلام أباد، والمناورات العسكرية المشتركة التي تجريها الدول الثلاث. وأما تركيز الدعاية الإيرانية على العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية لتبرير خطوة طهران الأخيرة فمجرد التمويه لإخفاء الهدف المبطن، ومحاولة كسب الشعبية للتصعيد ضد أذربيجان.

حرب تحرير قارباغ انتهت باتفاق وقف إطلاق النار ينص في أحد بنوده على فتح ممر يعبر ولاية زنغزور الأرمينية ويربط بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان ذاتي الحكم. وهذا الممر الجديد، البعيد عن الحدود الإيرانية، سيربط تركيا بجمهوريات آسيا الوسطى التركية عبر الطرق البرية والسكك الحديدية، بالإضافة إلى خطوط أنابيب النفط والغاز. وتسعى طهران من خلال التصعيد ضد أذربيجان إلى الحيلولة دون إنجاز مشروع ممر زنغزور.
تركيا لا ولن تترك أذربيجان وحدها أمام التصعيد الإيراني؛ لأن العلاقات بين البلدين الشقيقين قائمة على قاعدة "أمة واحدة ودولتان". كما أن تصعيد طهران له حدود، ومن المؤكد أن قادة إيران يدركون تماما أن المبالغة في التصعيد قد تفجر أذربيجان الجنوبية الواقعة داخل حدودها

تركيا وأذربيجان تجريان حاليا في إقليم ناختشيفان الأذربيجاني المحاذي لتركيا وإيران؛ مناورات "الأخوة المتماسكة 2021". وأعلنت إيران أنها أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الأذربيجانية، في محاولة لإفشال المناورات. وردت باكو على قرار طهران بإغلاق مكتب ممثل خامنئي وحسينية في العاصمة الأذربيجانية.

هناك حرب نفسية بين إيران وأذربيجان منذ بداية التصعيد، وينشر جنود إيرانيون صورهم وهم يرفعون بأيديهم شعار القوميين الأتراك "رأس الذئب"، فيما ينشر جنود أذربيجانيون صورهم وهم يحرقون العلم الإسرائيلي والعلم الأمريكي. ويحاول كل طرف إرسال رسالة مفادها أن صفوف الطرف الآخر مخترقة، وإن تصاعدت الأزمة بين الطرفين فقد نشهد صراعا بين الانتماء القومي والانتماء الطائفي، كما أن أذربيجان قد تتحرك لمنع أنشطة إيران في أراضيها وتقليل نفوذها بين مواطنيها الشيعة.

تركيا لا ولن تترك أذربيجان وحدها أمام التصعيد الإيراني؛ لأن العلاقات بين البلدين الشقيقين قائمة على قاعدة "أمة واحدة ودولتان". كما أن تصعيد طهران له حدود، ومن المؤكد أن قادة إيران يدركون تماما أن المبالغة في التصعيد قد تفجر أذربيجان الجنوبية الواقعة داخل حدودها. ولذلك، فإن المتوقع أن ينتهي التصعيد الإيراني دون أن تتحول إلى حرب ساخنة.

twitter.com/ismail_yasa