ملفات وتقارير

هل خرج السيسي منتصرا من قضية الإيطالي ريجيني؟

صوّت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر- الرئاسة المصرية

بعد 5 سنوات من مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، عجزت سلطات بلاده عن إصدار أحكام بحق 4 ضباط مصريين.

 

وقررت "المحكمة الجنائية" في روما، الخميس، تعليق محاكمة اللواء طارق صابر، والعقيدين آسر كمال، وهشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال، الذين تتهمهم روما بقتل ريجيني.
 
وقالت المحكمة إن سبب تعليق المحاكمة هو غياب المتهمين، أو أي ممثل لهم، وأمرت بإعادة الأوراق لقاضي التحقيق الأولي.
 
وكالة "رويترز" نقلت عن المحكمة الإيطالية قولها إنها علقت محاكمة الضباط المصريين في جريمة اختفاء وقتل باحث الدكتوراه بجامعة "كيمبريدج"؛ بسبب مخاوف ألا يكون المتهمون قد علموا بالاتهامات الموجهة إليهم، ما يبطل الإجراءات وفق القانون الإيطالي.
 
وتوصل قضاة المحكمة إلى أن المتهمين الأربعة لا يمكن محاكمتهم غيابيا؛ بسبب عدم تمكن "الادعاء" من تبليغهم رسميا بالإجراءات القانونية ضدهم، وفق قول محامي دفاع عينته المحكمة للدفاع عن المتهمين، لوكالة "فرانس برس".
 
المحامي أكد أنه لم يتسن لأحد الوصول لهم في مصر، وهو ما يعني أنهم لا يعلمون بتوجيه الاتهام إليهم، الأمر الذي يجعل الإجراءات باطلة، فيما وصفت أسرة ريجيني ومحاموه قرار المحكمة بـ"الانتكاسة".
 

تكتيكات السيسي
وذكر تقرير لمركز كارنيجي في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2020، أكد أن "تكتيكات المماطلة والتأخير التي اتّبعتها السلطات والأجهزة الأمنية المصرية في قضية ريجيني نجحت بكل بساطة؛ لأن الحكومة الإيطالية سمحت لها بذلك".

وفي مقال بصحيفة "لا ريبوبليكا" للكاتب جوليانو فوشيني، الجمعة، تحدث عن خديعة السيسي لقادة إيطاليا، حيث أكد أن من بين الوثائق التي قدمها، الخميس، نائب المدعي العام سيرجيو كولايوكو للمحكمة، محاضر تخص رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي.

الوثيقة التي ضمتها أوراق التحقيق تكشف أن روما في مناسبات عدة حثت على التعاون في القضية، لكن السيسي خالف وعوده، إذ تنقل قول كونتي: "حاولنا أن نشرح لمصر والرئيس السيسي مدى أهمية مسألة ريجيني، ومعرفة محل إقامة المشتبه بهم الأربعة، وأكد لي السيسي التزامه، لكن وعده لم يكن له تأثير".

اقرأ أيضا: وقف الهجرة مقابل حقوق الإنسان.. ورقة السيسي لمقايضة الغرب

 


ثمن غالي
يقول خبراء إن مصر دفعت ثمنا غاليا بسبب إصرار نظام السيسي على عدم التعاون مع السلطات الإيطالية، أو تسليم المتهمين، عبر صفقات أسلحة مثيرة للجدل، وتوطين شركات إيطالية للعمل في قطاعات حيوية مصرية.

وفي حزيران/ يونيو 2020، عقدت إيطاليا ومصر صفقة سلاح، هي الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، جعلت من القاهرة أكبر زبون لأنظمة التسلح الإيطالية، التي شملت "فرقاطتين"، و4 سفن بحرية، و20 زورقا، و24 طائرة مقاتلة، و24 للتدريب؛ مقابل 11 مليار يورو (نحو 13 مليار دولار).

واتهم والدا ريجيني -كلاوديو ريجيني، وباولا ديفندي- الحكومة الإيطالية بالتخلي عنهما، بعد الإعلان عن بيع فرقاطتين كجزء من صفقة أسلحة كبيرة، وقالا للإعلام: "نشعر بالخيانة، وأيضا بالإهانة والغضب"، والصفقة بمثابة "إطلاق رصاصة على اسم ريجيني، وكأنهم يريدون التخلص من قضيته".

وإلى جانب الصفقة الكبيرة، تُغري حكومة السيسي روما بكعكة الغاز المصرية التي تسيطر عليها شركة "إيني الإيطالية"، التي وسعت أعمالها بشكل كبير في مصر بعهد السيسي وإثر مقتل ريجيني، في محاولة لمنع توجيه الاتهام رسميا لمصر ووزارة الداخلية، بمقتل ريجيني، وفق مراقبين.

صفقات
يقول الحقوقي المصري هيثم أبو خليل، إن "ما وضح من قرار المحكمة بتعليق الدعوى أنهم يحترمون سلامة الإجراءات، وما حدث نتيجة خطأ إجرائي؛ لأن نظامهم القضائي يوجب إخطار المتهمين بموعد وفحوى الدعوى، ولو المحاكمة غيابية، لذا تم تعليق المحاكمة حتى إبلاغ المتهمين".

وعن المقابل الذي ربما يكون دفعه السيسي مقابل إعاقة القضية، يضيف لـ"عربي21": "الأداء الإيطالي بصورة عامة في القضية بدأ يتقلص قليلا، يسكن أحيانا ويتفاعل أخرى، فيما يبدو أنها صفقات ولغة مصالح بين نظامي القاهرة وروما"، مشيرا لاحتمال وجود دور فرنسي لحلحلة الأمور مع القاهرة.

ويتابع: "بالطبع نحن في عالم مصالح، ومثلما حصل بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وكان هناك ثمن، بالطبع هناك أثمان تدفعها الآن مصر، وهناك مواءمات أيضا، لكن ربما تعليق المحاكمة بهذه الصورة يوضح أن الأمر مؤقت مع مزيد من الابتزاز".

وجزم أبو خليل بأن هذا القرار لم يغلق ملف ريجيني بعد، مؤكدا أنه "طالما هناك متهمون وضحايا، وطالما هؤلاء المجرمون لم يحاكموا، فإن القضية لن تغلق، وطالما السيسي في الحكم، وطالما يقبل ما يملى عليه، فلن تغلق القضية".
 
لم تحسم بعد

 يؤكد المحامي والباحث الحقوقي‏ هاني عوض، أن القضية لم تحسم بعد، وأن "قرار تعليقها جاء نتيجة مخاوف المحكمة التي تنظر القضية من عدم اتصال علم المتهمين بالتهم المنسوبة إليهم، وذلك من الأمور التي تبطل إجراءات المحاكمة".

ويوضح لـ"عربي21"، أن "الأمر متوقف على إعلان المتهمين لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، وهو ما ستسعي إليه السلطات الإيطالية بالتعاون مع أسرة ريجيني في المرحلة المقبلة".

‏مدير "مؤسسة منتصر الزيات للمحاماة والاستشارات القانونية"، يعتقد أن "النظام المصري لن يسلم المتهمين الأربعة، وذلك لأن النيابة العامة المصرية انتهت في تحقيقاتها إلى أنه لا وجه لإقامة الدعوى مؤقتا؛ لعدم معرفة الفاعل".

لافتا لقيام "النائب العام المصري بتسليم السفير الإيطالي في القاهرة نسختين من التحقيقات باللغتين العربية والإيطالية، وطلب منه تسليم هذه التحقيقات إلى المحكمة لضمها لأوراق القضية".

ويرى أن النظام في مصر سيواصل إغراءاته بصفقات، كما حدث طوال السنوات السابقة، لكي يهدئ الحملة ضده في هذه القضية، قائلا: "كل شيء وارد في عالم السياسة، والتفاهمات والصفقات ربما تغير الكثير من القواعد، وقضية اغتيال خاشقجي وما حدث فيها من تطورات أكبر مثال".

 

واختفى ريجيني في القاهرة في 25 كانون الثاني/ يناير 2016، قبل العثور على جثته بعد 9 أيام بها آثار تعذيب ومشوهة، في 3 شباط/ فبراير، حين كان عمره 28 عاما، ما مثل صدمة إيطالية وأوروبية، تبعتها انتقادات لملف رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي الحقوقي.
 
وفي الوقت الذي أكد الادعاء الإيطالي ضلوع الأمن الوطني المصري في مقتل الباحث الشاب، أوقف النائب العام المصري، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، التحقيق في القضية؛ "استنادا إلى عدم كفاية الأدلة".

في الشهر ذاته، صوّت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، متضمنا بندين يطالبان القاهرة بالتعاون في قضية ريجيني، وتسليم المتهمين بقتله للقضاء الإيطالي.