قضايا وآراء

قوائم الإرهاب.. نيران مرتدة إلى صدر الوطن

يكرر النظام المصري تصنيف الإرهاب بحق الإخوان- أ ف ب

لم تكن القائمة الجديدة لما يسمى الكيانات الإرهابية والتي ضمت 81 ناشطا مصريا بينهم 33 إعلاميا هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها العديد من القوائم، ولن تكون الأخيرة وإن تمنينا ذلك.

القائمة الجديدة للإرهاب ضمت شخصيات متنوعة التوجهات السياسية، لم تقتصر على الإخوان بل تجاوزتهم إلى شخصيات ليبرالية وعلمانية، تنتمي إلى مجموعات شبابية ثورية، أو تحالف المعارضة في الخارج (اتحاد القوى الوطنية) أو المعارضة في الداخل، ولو ضممنا هذه القائمة إلى شقيقاتها السابقات فسنجد أنها ضمت كل أطياف الشعب من مسلمين ومسيحيين، ومن ليبراليين ويساريين إلى إسلاميين بمختلف تنوعاتهم أيضا، ومن رجال ونساء وشباب.

ليس مستغربا من نظام استبدادي أحمق أن يطلق النار على قدميه، فهذه القوائم والتي تضم مئات بل ربما آلاف المصريين هي قنبلة يتصور النظام أنه يوجهها ضد خصومه السياسيين، لكنها في الحقيقة هي قنبلة تنفجر في وجهه، فهل يعقل أن دولة تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، وتتراجع فيها الاستثمارات والسياحة إلى معدلات غير مسبوقة ثم تصنف أعدادا ضخمة من شعبها ونخبتها إرهابيين؟! وهؤلاء الإرهابيون (المفترضون) منتشرون في كل محافظات مصر ومدنها وقراها، هذا يعني أن أي سائح سيخشى التحرك في أي بقعة في مصر، وليس في سيناء فقط حيث تركزت العمليات الإرهابية خلال السنوات الماضية، وهذا يعني أن كل مستثمر يقرأ أسماء رجال أعمال ومستثمرين ضمن تلك القوائم لن يغامر باستثمار أمواله في مصر، خاصة أن أمامه عشرات الدول الأكثر أمنا واستقرارا واحتراما للقانون والديمقراطية.

ليس مستغربا من نظام استبدادي أحمق أن يطلق النار على قدميه، فهذه القوائم والتي تضم مئات بل ربما آلاف المصريين هي قنبلة يتصور النظام أنه يوجهها ضد خصومه السياسيين، لكنها في الحقيقة هي قنبلة تنفجر في وجهه

قوائم الإرهاب التي تعلنها السلطات المصرية تباعا هي لمعارضين سلميين، بينما تجنبت الإرهابيين الحقيقيين الذين لا يأبهون بمثل هذه التصنيفات، أما المعارضين السلميين الذين اختاروا المسار الديمقراطي، ونذروا أنفسهم للدفاع عنه واسترداده، فإنهم حريصون على سمعتهم، ويغضبهم مجرد توقيف روتيني في أحد المطارات، أو حرمانهم من السفر وسحب جوازات سفرهم، أو تجميد أو مصادرة ممتلكاتهم.

في العام 2015 أصدر النظام المصري قانون الكيانات الإرهابية الذي توسع في مفهوم الإرهاب ليشمل أي عمل مناهض له، وخلال السنوات التالية أدخل العديد من التعديلات عليه، لفرض المزيد من التشدد والقيود، وأصبح هذا القانون وتعديلاته هو سلاح النظام الماضي لقمع معارضيه وتصنيفهم إرهابيين، في محاولة لجلب دعم دولي له في مواجهة هذه المعارضة.

وقد صنف النظام عقب انقلاب تموز/ يوليو 2013 جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وسعى لتعميم هذا التصنيف دوليا، غير أن جهوده لم تفلح سوى في بعض الدول الخليجية الداعمة له مثل السعودية والإمارات والبحرين، في حين رفضت باقي الدول الخليجية ذلك. كما بذل النظام وحلفاؤه الخليجيون جهدا كبيرا لتصنيف الجماعة (إرهابية) عالميا، ورغم المليارات التي دفعت للبريطانيين لهذا الغرض، إلا أن اللجنة البريطانية المكلفة بمراجعة ملف الإخوان وتقديم مبررات التصنيف الإرهابي برئاسة السير جينكيز لم تصل إلى تلك القناعة.

ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب وعد في حملته الانتخابية بملاحقة جماعة الإخوان وتصنيفها جماعة إرهابية تلبية لرغبات حلفائه الصهاينة والعرب، وثمنا لتمويل خليجي سخي لحملته، إلا أنه غادر البيت الأبيض دون أن يتمكن من تحقيق هذا الوعد، حيث عجزت إدارته عن توفير المبررات الكافية لإقناع الكونجرس والرأي العام الأمريكي بذلك.

هذا الموقف الغربي الممثل في أكبر دولتين (بريطانيا والولايات المتحدة) والرافض لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية أبطل مفعول قوائم الإرهاب التي يصدرها النظام المصري دوليا، حيث تسود القناعة بأنها محض قوائم كيدية لا تستند إلى أي مبررات موضوعية، بل هي محض محاصرة للعمل السياسي المنافس للسلطة بطرق ديمقراطية، ولذلك فلا توجد دولة محترمة تعتد بتلك القوائم، اللهم إلا بعض الدول الخليجية أو بعض الدول الممولة خليجيا والتي يعرفها جيدا من تضمنتهم تلك القوائم فيتجنبون السفر إليها.

جاءت القائمة الأخيرة للإرهاب بعد أكثر من عام على إطلاق دعوة الحوار الوطني، وقبل عام من الانتخابات الرئاسية المقرر لها صيف العام المقبل، وفي ظل دعوات متصاعدة لفتح المجال السياسي بهدف توفير بيئة منافسة حقيقية للانتخابات المقبلة

إن صدور المزيد من قوائم الإرهاب وتضمينها شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية بارزة ليس أبدا دليلا على تمكن أو استقرار النظام، بل العكس هو الصحيح، فالنظام الذي أصدر قرارا في أواخر 2013 بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وصادر مقراتها وممتلكاتها، يبدو أنه لا يصدق ذلك القرار، أو لا يرى أثرا له، فيكرر إصدار القرارات بتصنيف الجماعة إرهابية في صدارة أي قائمة جديدة، هذا يعني أنه لا يزال يرى شبح الجماعة أمامه في كل مرة، وهذا يعني أنه رغم محاولته تصدير صورة زائفة عن نجاحه في استئصال الجماعة، واعتباره ذلك أهم إنجاز له، فإنه مقتنع عمليا بوجودها، وحضورها رغم أزمتها الأخيرة.

جاءت القائمة الأخيرة للإرهاب بعد أكثر من عام على إطلاق دعوة الحوار الوطني، وقبل عام من الانتخابات الرئاسية المقرر لها صيف العام المقبل، وفي ظل دعوات متصاعدة لفتح المجال السياسي بهدف توفير بيئة منافسة حقيقية للانتخابات المقبلة عبر إطلاق سراح سجناء الرأي، وسحب تعديلات دستورية وقانونية شائهة، وتحرير الحياة الحزبية والعمل الأهلي والإعلام، وقبول رقابة دولية على الانتخابات، وها هو النظام يرد عمليا على تلك المطالب بتصنيف معارضيه السياسيين كإرهابيين، ليحرمهم أيضا من مجرد التفكير في الترشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية المقبلة.

نحن أمام نظام مصاب بحول سياسي، حتى أنه يطلق الرصاص على قدميه، ففي الوقت الذي يحتاج إلى عشرات المليارات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المأزوم، ومواجهة كارثة الديون المتراكمة وأقساطها وفوائدها المستحقة فإنه يرتكب المزيد من الحماقات التي تحرم مصر من الاستثمارات الأجنبية، والمحلية والسياحة، كما تقنع أبناءها بغياب فرص التغيير الديمقراطي، وتُدخل الوطن كله إلى مجهول لا يعلمه إلا الله.

twitter.com/kotbelaraby