بدايةً، لا بد من التأكيد على أن شكل المواجهة الحالي
بين سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة
الجهاد الإسلامي، والجيش
الإسرائيلي قد
أخذت -مع مرور الوقت- بعداً استراتيجياً هاماً، غير مسبوق، وفصلاً جديداً من فصول
المواجهة مع قطاع
غزة، تمثلت بتأخير رد المقاومة على استهداف ثلاثة من قادة سرايا
القدس العسكريين لـ36 ساعة، ما أربك حسابات قادة العدو، وجعل المجتمع الإسرائيلي
في حالة هلعٍ، واستنفارٍ، وترقب، وبالتالي لسنا في وارد التقليل من الجهد الكبير
لـ"سرايا القدس" في الصمود بوجه آلة الحرب الإسرائيلية.
فرغم الخسائر البشرية والنوعية التي تكبدها الجناح
العسكري للجهاد الإسلامي على مستوى القادة، إلا أنه في المقابل أطلق ما يزيد على
1001 صاروخ (حتى كتابة هذه السطور)، علماً أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن
حركة الجهاد الإسلامي تمتلك 7 آلاف صاروخ نوعي على الأقل.
الجديد في هذه المعادلة، هو الفاعلية المطلقة التي
أظهرتها غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية (عددها 12 فصيلاً
فلسطينياً مقاوماً في قطاع غزة)، ومنذ الإعلان عنها رسمياً في العام 2018، وهي
تحقق إنجازاً تلو الآخر، وهدفها الرئيس تشكيل قوة ضاربة، ومؤثرة، وفاعلة للمقاومة
الموحدة، بموقفٍ فلسطيني واحد لمواجهة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في
قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس المحتلة.
ما من شك، أن حركة
حماس (الفصيل الأكثر تأثيراً،
والأبرز حضوراً في "غرفة العمليات المشتركة" قد أعطت الضوء الأخضر،
ووفرت الغطاء اللازم لبدء حركة الجهاد الإسلامي في الرد على استهداف قادتها في
الميدان، والعدو يعلم ذلك، إلا أنه معني بالتأكيد دوماً على أن المواجهة محصورة مع
فصيلٍ فلسطينيٍ واحد وهو الجهاد الإسلامي، في محاولة منه لإظهار قوته وقدرته
العسكرية في قطاع غزة أمام مجتمعه، دون حدوث ارتداداتٍ لا يقوى على احتمالها في
حال شاركت حركة حماس، وبقية الفصائل بصورةٍ كاملة في معركة "ثأر
الأحرار".
نتوقف هنا قليلاً للإشارة إلى دلالة إعلان كتائب
الشهيد عز الدين القسام أن مسؤول العمليات في سرايا القدس الشهيد إياد الحسني، هو
المسؤول أيضاً عن التنسيق ما بين قيادة كتائب القسام وسرايا القدس خلال المعركة
الحالية، وهذا يعني بالضرورة رسالة للاحتلال بأن كتائب القسام منخرطة تماماً في
معركة "ثأر الأحرار"، وأن صبرها بدأ ينفد نتيجة استمرار استهداف قادة
الشعب الفلسطيني عبر عمليات اغتيال جبانة، وربما أن الأمور قد تتطور لمشاركة
مباشرة في الحرب، وأن هذا الانخراط الفعلي في المعركة لن يطول.
من الواضح، ومع مرور الأيام، أن المعادلة تتغير لصالح
المقاومة الفلسطينية من خلال إطلاق أكبر قدرٍ ممكن من الصواريخ، التي بدورها وصلت
إلى مدينة القدس المحتلة، وقبل ذلك وصلت إلى تل أبيب، والجيش الصهيوني يعلم جيداً
أن استمرار المعركة يعني دخول مدن وبلدات إسرائيلية جديدة في دائرة الاستهداف، ما
يعني خسارة حتمية لحكومة بنيامين نتنياهو، وفشلا ذريعا لمنظومته الأمنية، خاصةً
إذا ما علمنا أن الأهداف الحقيقية للاحتلال للدخول في الحرب قد استنفدت أغراضها
باستهدافِ عددٍ من قادة سرايا القدس المسؤولين عن إطلاق الصواريخ.