سال حبرٌ كثير في التأكيد على أن حركة
حماس حققت
انتصارا كبيرا ومزدوجا على الكيان
الإسرائيلي بعد معركة "طوفان الأقصى"
في السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي، من خلال إرغام الاحتلال على القبول بصفقة
تبادل معها، على الرغم من أن هذا الأمر كان من المحرمات الحديث فيه إسرائيليا مع
بدء العدوان على قطاع
غزة، ورُفعت اللاءات الإسرائيلية كالشراع في وجه الأعاصير:
"لا ماء، لا غذاء، لا دواء، لا وقود"، حتى تحرير كافة الأسرى
الإسرائيليين من قطاع غزة.
اللافت هنا، هو انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في
المفاوضات التي شهدتها الدوحة، لإتمام صفقة الهدنة الإنسانية، وتبادل الأسرى؛ وهو
ما يؤكد أن واشنطن عنصر فاعل ومؤثر في المشهد
الفلسطيني على مدار خمسين يوما
ماضية، عسكريا، ودبلوماسيا، وماليا، وسياسيا، وكأن المعركة معركتها، وكتائب القسام
دخلت الأراضي الأمريكية، وليس غلاف غزة.
لا شك أن الثلاثي المنكوب "نتنياهو، غانتس،
وغالانت" قد تجرعوا السُم بموافقتهم على هدنة لأربعة أيام، يتم بموجبها
الإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات، والأسرى الأشبال، مقابل الأسيرات والأطفال
الإسرائيليين، وعلى مراحل أربع ليتم التأكيد من خلالها في كل مرة أن قادة الكيان
تجرعوا السم أربع مرات على مدار أربعة أيام متتالية، وبدلا من اجتثاث حركة حماس
والحديث عن مرحلة ما بعد حماس، نجد نتنياهو متسمرا أمام شاشة التلفزيون يتابع
إطلاق كتائب القسام لأسراه وفق صفقة تبادل كان من أشد المعارضين لحدوثها.
في المفهوم العسكري لا أحد يقبل الهدنة قبل أن يحقق
أهدافه العسكرية والاستراتيجية، وبالتالي قبول الكيان الصهيوني للهدنة المؤقتة يعني
بالضرورة أنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافه على مدار 50 يوما، فلا هو أفرج
عن أسراه في قطاع غزة بالقوة كما كان يريد، ولا استطاع إنهاء حركة حماس، أو الحد
من قدرتها العسكرية أو القتالية في قطاع غزة، ولا هو استطاع تحقيق أي إنجازٍ عسكري
واحد يفاخر به أمام جبهته الداخلية الممزقة.
لن يشكل نتنياهو حالة إضافية، أمام "رابين،
وشامير، وشارون"، فكلهم تمنوا غرق غزة في البحر، فبقيت غزة صامدة، وذهبوا هُم،
وهي غزة ذاتها التي ستذهب بنتنياهو وفريقه الفاشل، أقول هذا على
الرغم من المصاب الأليم الذي أحدثته آلة القتل الصهيونية في القطاع، إلا أن ذلك لن
يمنع غزة من تجديد نفسها، والاستمرار في معركة التحرير. فصمود غزة تجاوز حدود
الجغرافيا، وصولا إلى الوعي الجمعي العربي، وأعادت "طوفان الأقصى"
الأمور إلى أصلها، بوحدة الأمة خلف قضيتها الأولى المركزية فلسطين، ولك أن تتابع
شوارع العواصم العربية والإسلامية لتعرف حقيقة ما أقول.