النفاق هو تناقضُ ما يظهره الإنسان معَ ما يبطنُه، وقد
أفرد القرآنَ مساحةً واسعةً لفضحِ سرائر
المنافقين والوعيدِ لهم.
يظنُّ فريقٌ من الناسِ أنَّ النفاق ذكاءٌ وفنٌّ، وهناك
من يؤصِّل فنونَ الكذبِ والتظاهر بالابتسامِ والاهتمامِ لكسب القبولِ الاجتماعيِّ
والزبائنِ، وفي العلاقاتِ الظاهريَّة قد يلقى المنافقون قبولاً اجتماعيَّاً وهو ما
يشير القرآنُ إليه:
- "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ" (البقرة: 204).
- "يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ.."
(التوبة: 96).
- "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ
أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ.." (المنافقون: 4).
لكنَّ القرآنَ الذي يهتمُّ بتزكيةِ باطنِ الإنسانِ
ويهتمُّ بأساسِ الصِّدقِ في الحياةِ لا يقبل "المظهرَ الاجتماعيَّ الجميلَ
المخادعَ الذي لا يعبِّر عن الباطن"، لذلكَ يفضح القرآنُ سرائر المنافقين
الذين لا تعبِّر أقوالهم عن حقائقِ ما في نفوسِهم في عشراتِ الآيات، ويصفهم بأنَّ
في قلوبِهم مرضاً:
- "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ"
(البقرة: 8-9).
- "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا
آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا
نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة: 14).
- "يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ" (آل عمران: 167).
- "يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى
قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ" (التوبة: 8).
"وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا
لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ" (التوبة: 42).
- "وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا
الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" (التوبة: 107).
- "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا
يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً
وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ"
(الحشر: 11).
- "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا
نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون: 1).
من الملاحَظِ أنَّ هذه الآياتِ كلَّها مدنيَّةٌ، وهذا
طبيعيُّ لأنَّ النفاقَ هو مجاملةٌ للمظهرِ الاجتماعيِّ السائدِ، وفي العهدِ
المكيِّ كان المؤمنون قلَّةً مستضعفين فلماذا سيجاملهم النَّاس! أمَّا حين تأسَّس
مجتمع "الذين آمنوا" في المدينةِ فقد تشكَّلت ظاهرةُ النفاقِ من أفرادٍ
يتصارع دافعانِ متناقضانِ داخل نفوسِهم، فهم من جهةٍ لم تهتد قلوبهم بدعوةِ
الإيمانِ، ومن جهةٍ أخرى لا يمتلكون الشجاعةَ النفسيَّةَ للتعبيرِ عن بواطنِهم
الحقيقيَّةِ ويريدون أن يحظوا بالمكاسب التي يحققها الانتماء إلى الحالةِ
السَّائدةِ:
- "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ
لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.." (النِّساء: 141).
- "سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا
انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ
أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ
اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا
يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً" (الفتح: 15).
والمعنى العامُّ في كل القضايا التي يعالجها القرآنُ
يتجاوز خصوصيَّة أحداثِ زمان الرسولِ، فتلك الأحداثُ هي المثالُ الذي يعبِّر عن السنة
العامَّة المتكرِّرة في الاجتماعِ الإنسانيِّ دائماً، فحيثما دخلت الجماعات في
حالة القوة والغنيمةِ ظهرَ المنافقون الذين يريدون التوفيقَ بين الغنائمِ
المعنويَّة والماديَّةِ التي توفرها لهم الجماعةُ وبين حقائق بواطنهم التي لم تؤمن
فيكون التظاهر والكذب والازدواجيَّة.
ضررُ النِّفاقِ يبدأُ بصاحبِه لأنَّ من يعيش
بشخصيَّتين لن ينعمَ بالطمأنينةِ والأمنِ، وسيظلُّ في حالةِ خوفٍ داخليٍّ من
افتضاحِ أمرِه، فالأمن هو ثمرة التوحيدِ بين ظاهر المرء وباطنِه، بينما الخوف هو
ثمرة التناقضِ وإخفاء أمرٍ ما، لذلك يربط القرآنُ كثيراً بين النفاقِ وحالة الخوفِ
التي يعيشها المنافقون، دعونا نتدبر في هذه الصور البليغة للحالة النفسيَّة التي
يعيشها المنافقون:
- "وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ
وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ، لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ
مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ" (التَّوبة:
56-57).
- "وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ
يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ
إِلَّا فِرَاراً" (الأحزاب: 13).
- "أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ
رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى
عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ
حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ..:" (الأحزاب: 19).
- "يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا
وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ
يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا
قَلِيلاً" (الأحزاب: 20).
- "فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ
وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى
لَهُمْ" (محمَّد: 20).
هذه هي الحالةُ النفسيَّة للمنافقين: الانسجام
المجتمعيُّ وحسنُ القولِ ولطف المظهرِ في أحوالِ اليسرِ والرخاءِ ثمَّ الرعبُ
والنكوصُ والفرارُ والتخلُّف في أحوالِ العسرةِ، فهم يريدون انتماءً إلى الجماعةِ
بدون استحقاقاتٍ، لأنَّهم لم يشعروا بالقيمة الروحيَّة المجردةِ للإيمان.
لذلك يذكر المنافقون في القرآنِ كثيراً في سياقِ ذكرِ
القتالِ، لأنَّ القتالَ يعني المخاطرةَ بالنفسِ ومفارقة أحوال الراحةِ والإقبال
على الموتِ، فلن يطيقه إلا صادق
الإيمان، فالقتالُ هو كاشفٌ لبواطن النفوس، وليس
بالضرورة هنا أن يكون الشكل التقليديُّ للقتالِ، بل كل تجربةٍ فيها مخاطرةٌ ودفعُ
ثمنِ المبدأ فهي تحمل علَّة القتالِ وتميِّز بين الصادقِ والمنافق:
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ
جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ" (العنكبوت: 10-11).
النفاق يحمل عقابه في ذاتِه، فعذاب المنافقِ ليس
مؤجَّلاً إلى يوم القيامةِ، إنَّما يكفيه عذاباً أن يتحمل نتيجة ما ارتضاه لنفسِه
من الازدواجِ والخداع والكذب:
- "فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا
أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ" (التوبة: 55).
- "وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ
مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا
تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ
إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ" (التوبة: 101).
كيف يكون عذابُ المنافقِ في الدنيا؟ من تجلياتِ عذابِه
أنه يعيش دائماً في حالةِ خوفٍ واضطرابٍ بين ظاهرٍ يحرص فيه على إرضاءِ الناسِ
وبين باطنٍ يخشى انكشافه فينبع الخوفُ من داخلِه، لذلك فإنَّ المنافقَ يفقد
العفويَّة والتلقائيَّة، وتفقد شخصيَّته أصالتَها، وتتحول إلى حالةٍ من الميوعةِ
والهلاميَّة والهشاشةِ التي تفتقد إلى العمقِ والرُّسوخ.
ولأنَّ المنافقَ حريصٌ على عدم افتضاحِ سريرتِه فإنَّه
يلجأ إلى المبالغةِ في الادعاء، وهو ما لا يفعله المؤمن الصادقُ الذي لا يشعر في
سريرة نفسه أنه مضطرٌ لإثباتِ دعوىً ما أمام الناسِ، لأنه يعيش بعفويَّتِه، أما
المنافق فيعيش في داخله بشعور المتهم الذي يريد أن يدفع عن نفسه التهمة دائماً
بالمبالغة.
وهذا السلوك معروفٌ في علم النَّفسِ، أنَّ من يخفي
أمراً فإنَّه يبالغ في إظهارِ عكسِه، وأنَّ المبالغة في النفيِ دليل إثباتٍ، وهو
ما يفسِّر أنَّ من صفاتِ المنافقِ في القرآنِ المبالغة في حلفِ الأيمان، فقد ذكرت
كلمة "يحلفون" في
القرآن عشر مراتٍ، كلُّها في الحديثِ عن المنافقين،
عدا الاشتقاقاتِ الأخرى لفعل حلف..
- "ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ
أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً" (النساء: 62).
- "وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ
وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ" (التوبة: 56).
- "وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا
الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" (التوبة: 107).
- "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" (المجادلة: 16).
- "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا
نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ
جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (المنافقون: 1-2).
المؤمن الصادقُ لا يشعر بحاجةٍ إلى أن يذهب إلى الرسول
ليقول له نشهد إنك لرسول الله! لكنَّ المنافق يعلم في داخله أنه كاذب فيحاول تغطية
كذبه بالمبالغة في الادعاء وحلفِ الأيمان.
ولأنَّ قانون الحياة قائمٌ على التوحيدِ فإنَّ الخطورة
النفسيَّة للنفاقِ تخرج بعد ذلك إلى مجالِ الخطورةِ الاجتماعيَّةِ، فالمنافق هو
عدوٌّ كامنٌ يعيش حالة قبولٍ اجتماعيٍّ، ويتربَّص الدوائر، وانكشافه يكون في
لحظاتِ الضعفِ فيكون خطره أعظم، ولذلك يعظِّم القرآنُ من خطر هذه الظاهرةِ
محذِّراً المؤمنين منها:
- "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ".
- "وَمَا هُمْ مِنْكُمْ".
المنافق في حالة كمونٍ في الأوضاعِ الطبيعيَّةِ، وفي
ذلك الكمون يكون في حالة تربُّصٍ للانقضاض:
- "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ".
- " وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ".
لذلك كان انقضاض المنافقين في المدينةِ دائماً في
أحوالِ الضعفِ والانكشافِ مثل غزوة أحدٍ والأحزابِ وحادثةِ الإفكِ وغزوة العسرة،
فهذه العسرة تغريهم بإخراج ما في قلوبِهم إذا ما لاحت لهم فرصةٌ زيِّن لهم أنها
فرصة القضاء على المؤمنين:
- "بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ
الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي
قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً" (الفتح:
12).
خطورة مرضِ النفاقِ يرجِّحُ كفَّة الرأي الفقهيِّ
القائلِ إنَّ المرتدَّ لا يُقتلُ، لأنَّ قتل المرتدِّ سيدفع من لم يؤمن إيماناً
حقيقياً من قلبه إلى النِّفاقِ فيكونَ عدوّا باطناً وذلك أخطر من أن يكون
عدوّا ظاهراً، والمجتمع الصحيُّ لا يشجِّع أفراده على النفاقِ والازدواجيَّةِ،
لأنَّ هذه الازدواجيَّة تفسد المجتمع وتفقده الصدقَ والأصالةَ والطمأنينةَ وتعزِّز
أمراض الاضطرابِ والتناقضِ في الخفاء، وليس أدعى إلى الطمأنينة من قدرةِ الإنسان
على التعبير عن نفسِه في النُّورِ دون خوفٍ.
يدفع القرآن باتجاه إنشاءِ الإنسانِ الصَّادقِ،
والصدقُ لا يكون إلا في مُناخٍ من الحريَّةِ التي تدفع الناس إلى التعبير عن
شخصيَّاتِهم الحقيقيَّة: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ".
twitter.com/aburtema